فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {عَمَا أرضعت} يجوزُ في ما أَنْ تكونَ مصدريةً أي: عن إرْضاعِها. ولا حاجةَ إلى تقديرِ حَذْفٍ على هذا. ويجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي فلابد من حَذْفِ عائدٍ أي: أرضعته. ويُقَوِّيه تعدِّي {تَضَعُ} إلى مفعولٍ دونَ مصدرٍ. والحَمْلُ بالفتحِ: ما كان في بَطْنٍ أو على رأسِ شجرة، وبالكسرِ ما كان على ظَهْرٍ.
قوله: {وَتَرَى الناس سكارى} العامَّةُ على فتحِ التاءِ من {ترى} على خطابِ الواحد. وقرأ زيدُ بن علي بضمِّ التاءِ وكسرِ الراءِ، على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الزلزلةِ أو الساعةِ. وعلى هذه القراءة فلابد من مفعولٍ أولَ محذوفٍ ليَتِمَّ المعنى به أي: وترى الزلزلةُ أو الساعةُ الخَلْقَ الناسَ سكارى. ويؤيِّد هذا قراءة أبي هريرة وأبي زرعة وأبي نهيك {ترى الناس سكارى}. بضمِّ التاء وفتح الراء على ما لم يُسَمَّ فاعله، ونصب {الناسَ}، بَنَوْه من المتعدِّي لثلاثةٍ: فالأولُ قام مَقامَ الفاعلِ، وهو ضميرُ الخطابِ، و{الناسَ سُكارى} هما الأولُ والثاني. ويجوز أن يكونَ متعدِّيًّا لاثنين فقط على معنى: وترى الزلزلةُ أو الساعةُ الناسَ قوما سكارى. فالناسَ هو الأول و{سكارى} هو الثاني.
وقرأ الزعفرانيُّ وعباسٌ في اختياره {وترى} كقراءة أبي هريرة إلاَّ أنهما رفعًا {الناسُ} على أنه مفعول لم يُسَمَّ فاعلُه. والتأنيثُ في الفعلِ على تأويلِهم بالجماعة.
وقرأ الأخَوان {سكرى} {وما هم بسكرى} على وزنِ وَصْفِ المؤنثةِ بذلك. واخْتُلف في ذلك: هل هو صيغةٌ جمعٍ على فَعْلَى كمَرْضى وقَتْلى، أو صفةٌ مفردةٌ اسْتُغني بها في وصفِ الجماعة؟ خلافٌ مشهورٌ تقدَّمَ الكلامُ عليه في قوله: {أسرى}. وظاهرُ كلامِ سيبويه أنه جمعُ تكسيرٍ فإنه قال: وقومٌ يقولون: سكرى، جَعَلوه مثلَ مرضى لأنهما شيئان يَدْخلان على الإنسان، ثم جَعَلوا روبى مثلَ سكرى وهم المُسْتَثْقلون نَوما من شربِ الرائب. وقال الفارسي: ويَصِحُّ أن يكونَ جمعَ سَكِر كزَمِن وزمنى. وقد حُكي رجلٌ سَكِر بمعنى سَكْران فيجيءُ سكرى حينئذٍ لتأنيث الجمع. قلت: ومِنْ ورودِ سَكِر بمعنى سَكْران قوله:
وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني ** ثَوْبي فأنهضُ نَهْضَ الشاربِ السَّّكِرِ

وكنتُ أَمْشي على رِجْلين مُعْتَدِلًا ** فصِرْتُ أَمْشِي على أخرى من الشَّجر

ويُروى البيتُ الأول الشارِبِ الثَّمِلِ، والأولُ أَصَحُّ لدلالةِ البيت الثاني عليه.
وقرأ الباقون {سكارى} بضمِّ السين.
وقد تَقَدَّم لنا في البقرة خلافٌ: هل هذه الصيغةُ جمعُ تكسيرٍ أو اسمُ جمع؟
وقرأ أبو هريرةَ وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما، وهو جمع تكسير، واحدُه سَكْران. قال أبو حاتم: وهي لغةُ تميم.
وقرأ الحسنُ والأعرج وأبو زرعة والأعمش {سكرى} {بسكرى} بضمِّ السين فيهما. فقال ابن جني: هي اسمٌ مفردٌ كالبُشْرَى. بهذا أفتاني أبو على. وقال أبو الفضل: فُعْلَى بضمِّ الفاءِ مِنْ صفةِ الواحدةِ من الإِناثِ، لَكِنها لَمَا جُعِلَتْ من صفاتِ الناس وهم جماعة، أُجْرِيَتْ الجماعة بمنزلة المؤنثِ الموحَّدِ. وقال الزمخشري: هو غريبٌ. قلت: ولا غرابةَ؛ فإنَّ فعلى بضم الفاء كَثُر مجيئُها في أوصافِ المؤنثة نحو الربى والحبلى وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يكونَ محذوفًا مِنْ سكارى. وكان مِنْ حَقِّ هذا القارئ أَنْ يُحَرِّكَ الكافَ بالفتح إبقاءً لها على ما كانَتْ عليه. وقد رواها بعضُهم كذلك عن الحسن. وقرئ: {ويرى الناسُ} بالياء من تحت ورفع {الناسُ}.
وقرأ أبو زرعة في روايةٍ {سَكْرى} بالفتح، {بسُكْرى} بالضم. وعن ابن جبير كذلك، إلاَّ أنه حَذَف الألفَ من الأول دون الثاني.
وإثباتُ السُّكْرِ وعَدَمُه بمعنى الحقيقة والمجاز أي: وترى الناس سكرى على التشبيه، وما هم بسَكْرى على التحقيق. قال الزمخشري: فإنْ قلتَ: لِمَ قيل أولًا: تَرَوْن، ثم قيل: {ترى} على الإِفراد؟ قلت: لأنَّ الرؤيةَ أولًا عُلِّقَتْ بالزلزلة، فَجُعِل الناسُ جميعًا رائِيْنَ لها، وهي معلَّقَةٌ أخيرًا بكونِ الناسِ على حالِ السُّكر، فلابد أن يُجْعَلَ كلُّ واحدٍ منهم رائيًّا لسائرِهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
سماع بسم الله يوجب الهيبة والغيبة وذلك وقت محوهم.
وسماع الرحمن الرحيم يوجب الأنس والقربة.
وذلك وقت صحوهم، فعند سماع هذه الآية انتظم لهم المحو والصحو في سلك واحد.
سماع بسم الله انزعاج القلوب وعنده يحصل داء جنونهم، وسماع الرحمن الرحيم يوجب ابتهاج القلوب وبه يجصل شفاء فتونهم، فعودة فتونهم في لطف جماله كما أن موجب جنونهم في كشف جلاله.
قوله جل ذكره: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم}.
{يَأ اَيُّهَا النَّاسُ} نداء علامة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} [البقرة: 104] نداء كرامة، وبكلِّ واحدٍ من القسمين يفتتح الحقُّ خطابه في السُّوَر، وذلك لانقسام خطابه إلى صفة التحذير مرةً، وصفة التبصير أخرى.
والتقوى هي التحرز والاتقاء وتجنب المحظورات. وتجنب المحظورات فَرْضٌ، وتجنب الفضلات والشواغل- وإن كان من جملة المباحات- نَفْلٌ، فثوابُ الأول أكثر ولَكِنه مؤجَّل، وثوابُ النَّفْلِ أقلُّ ولَكِنه مُعَجَّل.
ويقال خوَّفهم بقوله: {اتَّقُوا} ثم سكَّن ما بهم من الخوف بقوله: {رَبَّكُمْ} فإنَّ سماعَ الربوبية يوجب الاستدامة وجميل الكفاية.
قوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شيء عَظِيمٌ}: وتسمية المعدوم شيئًا توَسُّعٌ، بدليل أنه ليس في العدم زلزلة بالاتفاق وإن كان مُطْلَقُ اللفظِ يقتضيه، وكذلك القول في تسميته شيئًا هو توسُّع.
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَا أرضعت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وما هم بِسُكَارَى وَلَكِن عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت}.
المرضع من لها ولد ترضعه والمرضعة من ألقمت الثدي للرضيع وعلى هذا فقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت أبلغ من مرضع في هذا المقام فإن المرأة قد تذهل عن الرضيع إذا كان غير مباشر للرضاعة فإذا التقم الثدي واشتغلت برضاعة لم تذهل عنه إلا لأمر أعظم عندها من اشتغالها بالرضاع.
وتأمل رحمك الله تعالى السر البديع في عدوله سبحانه عن كل حامل إلى قوله: {ذات حمل} فإن الحامل قد تطلق على المهيأة للحمل وعلى من هي في أول حملها ومبادئه فإذا قيل ذات حمل لم يكن إلا لمن ظهر حملها وصلح للوضع كاملا أو سقطا كما يقال ذات ولد فأتي في المرضعة بالتاء التي تحقق فعل الرضاعة دون التهيؤ لها وأتى في الحامل بالسبب الذي يحقق وجود الحمل وقبوله للوضع والله تعالى أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (3- 4):

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفهم العطف الآتي أن الناس قسمان، وأن التقدير: فإن منكم من يؤمن فبتقي فينجو من شر ذلك اليوم الذي اقتضت الحكمة إظهار العظمة فيه ليزداد حزب الله فرحًا، وحزب الشيطان غمًا وترحًا، عطف عليه قوله: {ومن الناس} أي المذبذبين المضطربين {من} لا يسعى في إعلاء نفسه وتهذيبهًا فيكذب فيوبق بسوء أعماله، لأنه {يجادل في الله} أي في قدرة الملك الأعظم على ذلك اليوم وفي غير ذلك من شؤونه بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم {بغير علم} بل بالباطل الذي هو جهل صرف، فيترك اتباع الهداة النصحاء {ويتبع} بغاية جهده في جداله {كل شيطان} أي محترق بالشر مبعد باللعن.
ولما كان السياق لذم متبعه، أشار إلى أنه لا قصد له في اتباعه إلا الشر، لأنه لا لبس في أمره بصيغة المبالغة كما مضى في النساء ويأتي في الصافات، فقال: {مريد} أي متجرد للفساد لا شغل له غيره، فهو في غاية الضراوة عليه، قال البيضاوي: وأصله العرى {كتب} أي قضى وقدر على سبيل الحتم الذي لابد منه، تعبير باللازم عن الملزوم {عليه} أي على ذلك الشيطان {أنه من تولاه} أي فعل معه فعل الولي مع وليه، باتباعه والإقبال على ما يزينه {فأنه يضله} بما يبغض إليه من الطاعات فيخطىء سبيل الخير.
ولما نفّر عن توليه بإضلاله لأن الضلال مكروه إلى كل أحد، بين أنه إضلال لا هدى معه أصلًا فقال: {ويهديه} أي بما يزين له من الشهوات، الحاملة على الزلات، إعلامًا بأنه إن كان له هدى إلى شيء فهو {إلى عذاب السعير}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3)} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في كيفية النظم وجهان: الأول: أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله.
ثم بين في هذه الآية قوما من الناس الذين ذكروا في الأول.
وأخبر عن مجادلتهم الثاني: أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها، فإن من الناس من يجادل في الله بغير علم، ثم في قوله: {وَمِنَ الناس} وجهان: الأول: أنهم الذين ينكرون البعث، ويدل عليه قوله: {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} [يس: 77] إلى آخر الآية.
وأيضًا فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث وما بعدها في الدلالة على البعث، فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث والثاني: أنها نزلت في النضر بن الحرث، كان يكذب بالقران ويزعم أنه أساطير الأولين، ويقول ما يأتيكم به محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما.
المسألة الثانية:
هذه الآية بمفهومها تدل على جواز المجادلة الحقة، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ} [الزخرف: 58] والمجادلة الحقة هي المراد من قوله: {وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
المسألة الثالثة:
في قوله: {وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} قولان: أحدهما: يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر والثاني: أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده، قال الزجاج المريد والمارد المرتفع الأملس، يقال صخرة مرداء أي ملساء، ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله.
أما قوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ} ففيه وجهان: أحدهما: أن الكتبة عليه مثل أي كأنما كتب إضلال من عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله والثاني: كتب عليه في أم الكتاب، واعلم أن هذه الهاء بعد ذكر من يجادل وبعد ذكر الشيطان، يحتمل أن يكون راجعًا إلى كل واحد منهما، فإن رجع إلى من يجادل فإنه يرجع إلى لفظه الذي هو موحد، فكأنه قال كتب على من يتبع الشيطان أنه من تولى الشيطان أضله عن الجنة وهداه إلى النار.
وذلك زجر منه تعالى فكأنه تعالى قال كتب على من هذا حاله أنه يصير أهلًا لهذا الوعيد، فإن رجع إلى الشيطان كان المعنى ويتبع كل شيطان مريد قد كتب عليه أنه من يقبل منه فهو في ضلال.
وعلى هذا الوجه أيضًا يكون زجرًا عن اتباعه، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال القاضي عبد الجبار إذا قيل المراد بقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ} قضى عليه فلا جائز أن يرد إلا إلى من يتبع الشيطان، لأنه تعالى لا يجوز أن يقضي على الشيطان أنه يضل، ويجوز أن يقضي على من يقبله بقوله، قد أضله عن الجنة وهداه إلى النار.
قال أصحابنا رحمهم الله لما كتب ذلك عليه فلو لم يقع لانقلب خبر الله الصدق كذبًا، وذلك محال ومستلزم المحال محال، فكان لا وقوعه محالًا.
المسألة الثانية:
دلت الآية على أن المجادل في الله إن كان لا يعرف الحق فهو مذموم معاقب، فيدل على أن المعارف ليست ضرورية.
المسألة الثالثة:
قال القاضي فيه دلالة على أن المجادلة في الله ليست من خلق الله تعالى وبأرادته، وإلا لما كانت مضافة إلى اتباع الشيطان، وكان لا يصح القول بأن الشيطان يضله بل كان الله تعالى قد أضله والجواب: المعارضة بمسألة العلم وبمسألة الداعي.
المسألة الرابعة:
قرئ أنه بالفتح والكسر فمن فتح فلأن الأول فاعل كتب والثاني عطف عليه، ومن كسر فعلى حكاية المكتوب كما هو كأنما كتب عليه هذا الكلام، كما يقول كتبت أن الله هو الغني الحميد، أو على تقدير قيل أو على أن كتب فيه معنى القول. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} فيه قولان:
أحدهما: أن يخاصم في الدين بالهوى، قاله سهل بن عبد الله.
والثاني: أن يرد النص بالقياس، قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ومن الناس} الآية قال ابن جريح نزلت في النضر بن الحارث وأبي بن خلف وقيل في أبي جهل بن هشام ثم هي بعد تتناول كل من اتصف بهذه الصفة، والمجادلة المحاجة والموادة مؤخوذة من الجدل وهو الفتل والمعنى في قدرة الله تعالى وصفاته، وكان سبب الآية كلام من ذكر وغيرهم في أن الله تعالى لا يبعث الموتى ولايقيم الأجساد من القبور، والشيطان هنا هو مغويهم من الجن ويحتمل أن يكون الشيطان من الإنس والإنحاء على متبعيه والمريد المتجرد من الخير للشر ومنه الأمرد، وشجرة مردى أي عارية من الورق، وصرح ممرد أي مملس من زجاج، وصخرة مرداء أي ملساء. والضمير في {عليه} عائد على الشيطان قاله قتادة ويحتمل أن يعود على المجادل و{أنه} في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله و{أنه} الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها وقيل هي مكررة للتأكيد فقط وهذا معترض بأن الشيء لا يؤكد إلا بعد تمامه وتمام أن الأولى إنما هو بصلتها في قوله: {السعير} وكذلك لا يعطف ولسيبويه في مثل هذا {أنه} بدل، وقيل {أنه} خبر ابتداء محذوف تقديره فشأنه أنه يضله وقدره أبو على فله أن يضله.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر لي أن الضمير في {أنه} الأولى للشيطان وفي الثانية لمن الذي هو المتولي، وقوله: {يهديه} بمعنى يدله على طريق ذلك وليست بمعنى الإرشاد على الإطلاق، وقرأ أبو عمرو {إنه من تولاه فإنه يضله} بالكسر فيهما. اهـ.